تعريف العمرة
العمرة معناها في اللغة هو الزيارة، وفي الشرع تعني
قصد الكعبة للنسك الذي هو الطواف والسعي.
حكم العمرة
العمرة سنة مؤكدة مرة في العمر،
وما زاد على ذلك فهو مندوب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن العمرة أواجبة هي، قال: "لا، وأن تعتمروا هو أفضل". رواه الترمذي، وقال حسن صحيح.
ولم يدل دليل على وجوبها. وقوله
تعالى: "واتموا الحج والعمره لله" لا يدل على وجوبها ولا يدل على وجوب
الحج ، وإنما يدل على وجوب إتمامهما على من دخل فيهما. وفرض الحج إنما وجب بقول
الله تعالى: "ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا".
وذهب الحنفية إلى أن العمرة
واجبة مرة في العمر، والقول المعتمد عند الشافعية والحنابلة أن العمرة فرض مرة في
العمر على المستطيع، لقول الله تعالى "وأتموا الحج والعمرة لله"، أي
افعلوهما تامتين. ولما كان الأمر في الآية بالحج للفرضية، كان في العمرة للفرضية
كذلك.
فضل العمرة
جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا
الجنة". رواه البخاري.
وفي الصحيح لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من
حجته قال لأم سنان الأنصارية: ما منعك من الحج، قالت: أبو فلان تعني زوجها كان له
ناضحان حج على أحدهما والآخر يسقي أرضا لنا. قال فإن عمرة في رمضان تقضي حجة، أو
حجة معي". رواه البخاري.
وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات،
وليس شيء منها في رمضان، ثلاث منها في ذي القعدة، وواحدة مع حجته.
أركان العمرة
العمره لها ثلاثة أركان: الإحرام والطواف والسعي.
الركن الأول: الإحرام:
وهو نية العمرة والدخول فيها.
وقت الاحرام (الميقات الزماني):
يجوز الإحرام بالعمرة في جميع أيام
السنة، ويستثنى من ذلك زمن الإحرام بالحج، فليس لمن أحرم بالحج أن يحرم بالعمرة، إلا
بعد غروب اليوم الرابع من أيام منى. ويجوز له مع الكراهة أن يحرم بها قبل غروب ذلك
اليوم بعد فراغه من الرمي، على شرط أن يؤخر الطواف والسعي لها بعد الغروب، فإن سعى وطاف قبل الغروب فكالعدم لا يعتد بفعله,
ويجب أن يعيده.
مكان الإحرام (الميقات المكاني):
يختلف باختلاف الجهات التي يوجد فيها من يريد الإحرام، ولا يخرج عن
الحالات الآتية:
- ميقات أهل المدينة ومن يمر عليها: ذا الحليفة ، ويعرف بـ أبيار علي .
- ميقات أهل المغرب ومصر و السودان وعموم أفريقيا: رابغ.
- ميقات أهل نجد: قرن المنازل.
- ميقات أهل اليمن: يلملم.
- ميقات أهل العراق: ذات عرق.
- من كان داخل الحرم فيجب عليه عند الإحرام بالعمرة أن يخرج الى الحل ليحرم منه، وأقرب مكان لذلك هو التنعيم (مسجد عائشة). ففي الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها: "قلت يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد قال انتظري فاذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم فأهلي منه ثم القينا عندك كذا وكذا،......" رواه مسلم. وهذا يفيد جواز الإحرام بالعمرة من التنعيم للناس عامة وليس في الحديث ما يدل على تخصيص عائشة بهذا الحكم. ومن أحرم داخل الحرم بالعمرة عقد إحرامه، ولكن لا يصح منه طواف لها ولا سعي إلا بعد أن يخرج إلى الحل، فإن لم يخرج وطاف وسعى فطوافه وسعيه لغو لا يعتد بهما، ويعد باقيا على إحرامه الى أن يطوف ويسعى بعد خروجه إلى الحل ولو بقي سنين.
من أحرم بالعمرة لا يجوز له
ترك ما أحرم به حتى يكمله، فليس له أن يرفض إحرامه. وحتى لو رفضه لا يرتفض، ولو أفسده
بجماع أو غيره، ووجب عليه أن يتمه فاسدا، ويجب عليه قضاؤه فيما بعد، لقول الله
تعالى "واتموا الحج والعمره لله".
التلفظ بالنية في العمرة
تكفي النيه القلبية عند الإحرام بالعمرة وإن
تلفظ المحرم بالنية التي يريدها فحسن، كأن يقول عند إرادة الاحرام: "لبيك
بعمرة"، ففي الصحيح من حديث جابرقال: "قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم ونحن نقول لبيك اللهم لبيك بالحج، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
فجعلناها عمرة" رواه البخاري.
واجبات الإحرام:
- لباس الإحرام قبل الدخول في الميقات المكاني.
- التلبية بعد الإهلال بالعمرة، ففي الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "أهل النبي صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته قائمة" رواه البخاري.
وفي الصحيح أن تلبية رسول الله
صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم: "لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة
لك والملك، لا شريك لك". رواه البخاري. فحمل المالكية فعله صلى الله عليه
وسلم في اقتران التلبية بالإحرام على الوجوب
لقوله صلى الله عليه وسلم "أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أو من
معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال" (الموطأ)، وذهب الجمهور من
الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن التلبية سنة وليست واجبة، لأنها ذكر، وهي
مسنونة كسائر الأذكار.
وتنذب إعاده التلبية وتكرارها فيلبي المحرم بالعمرة من الميقات إلى أن يدخل المسجد الحرام فيقطع التلبية ولا يعيدها. ففي الموطأ كان ابن
عمر يترك التلبية في العمرة إذا دخل الحرم.
- التجرد من المحيط والمخيط: وذلك في حق الذكر والصبي دون الأنثى، فإنه يجوز لها لبس المحيط لسائرأعضائها ما عدا وجهها وكفيها، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا سأله ما يلبس المحرم فقال: "لا يلبس القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا البرنص ولا ثوبا مسه الورس أو الزعفران، فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا تحت الكعبين" رواه مسلم، وفي حديث عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب، وأن تلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرا أو خزا أو حليا أو سراويل أو قميصا أو خفا" رواه أبو داوود والحاكم في مستدركه.
سنن الإحرام
- إزالة الشعث قبل الاحرام: وذلك بتقليم الأظافر وقص الشارب وحلق العانة ونتف الإبط.
- الإغتسال قبل الإحرام: وصفته كغسل الجنابة والحيض. جاء في الموطأ أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم ولدخوله مكة وللوقوف عشية عرفة.
- صلاة ركعتين قبل الإحرام ، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة "قل يا أيها الكافرون"، وفي الثانية "قل هو الله أحد"، ويكفي عنها صلاة الفريضة إذا كان وقت الصلاة.
الحيض لا يمنع الإحرام:
الطهارة ليست شرطا لصحة الإحرام، فيجوز للمرأة إذا
كانت حائضة عند الميقات أن تحرم وتحضر جميع الأماكن وتؤدي المشاعر كلها ما عدا
الطواف، لأنه لا يجوز لها دخول المسجد وهي حائض، لقول عائشة رضي الله عنها في حجها
مع النبي صلى الله عليه وسلم: "قدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين
الصفا والمروة، قالت: فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: افعلي
كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري".
الركن الثاني: الطواف
شروط صحة الطواف
يشترط لصحة الطواف:
- أن يكون سبعة أشواط.
- الطهارة بنوعيها: طهارة الحدث و طهارة الخبث، وهي الوضوء وإزالة النجاسة. ففي الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أول شيء بدأ به حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت. رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: "لتأخذوا عني مناسككم". رواه مسلم.
- ستر العورة: ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: امر رسوله أن يؤذن في الناس لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان" رواه البخاري.
- أن يكون داخل المسجد، لقول الله تعالى: "وليطوفوا
بالبيت العتيق" سوره الحج الاية 29.
- جعل الكعبة على يسار الطائف، ففي الصحيح "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه، ثم مشى على يمينه، فأرمل ثلاثا ومشى أربعا" رواه مسلم.
واجبات الطواف:
- البدء من الحجر الأسود.
- المشي في الطواف للقادر على المشي.
- ركعتا الطواف: تجب صلاة ركعتين بعد الطواف، وتكونا متصلتين به من غير فاصل طويل، للأمر بهما في قول الله تعالى: "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" سوره البقره الاية 125.
يندب صلاة الركعتين خلف مقام إبراهيم إذا اتسع المكان،
أما عند شدة الإزدحام واختلاط الرجال بالنساء فيصليهما الطائف في أي مكان في
المسجد عدى حجر اسماعيل.
سنن الطواف وآدابه:
- تقبيل الحجر الأسود: وذلك عند بداية الطواف وفي كل الشوط ،مع التكبير، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، إذا لم يترتب عليه أذى للنفس أو للآخرين، أو يترتب عليه التصاق أجساد الرجال والنساء في المدافعة حوله، فإذا ترتب عليه شيء من ذلك فينبغي تركه.
- إستلام الركن اليماني باليد: وذلك في كل شوط عندما يمر به الطائف، بأن يضع يده عليه ويضعها على فمه، ولا يقبله بفمه. ففي الصحيح عن ابن عمر قال: "لم أرى النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين" رواه البخاري.
- الخبب أو الرمل: وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، في الثلاثة أشواط الأولى لغير النساء.
- الإضطباع: وهو أن يكشف المحرم كتفه اليمنى. وجمهور العلماء من غير المالكية يقولون أنه سنة في الطواف لما رواه الترمذي وغيره "أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت مضطبعا وعليه برده" رواه الترمذي.
- الدعاء والذكر أثناء الطواف: ويكون مع الخشوع وحضور القلب وخفض الصوت لقول الله تعالى: "ادعوا ربكم تضرعا وخفية" (الأعراف 55). وليس في الطواف دعاء مخصوص لابد منه، بل يدعو الطائف بما يحضره. وأحسن الدعاء ما كان بجوامع الكلم مما ورد في الكتاب والسنة، وكان صادرا من القلب لا مجرد ترداد باللسان. وليكثر الطائف من قوله: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار". ففي حديث عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما بين الركنين: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار" رواه أبو داوود والحاكم وصححه ابن حبان.
- الدعاء عند الملتزم: وذلك بعد الفراغ من الطواف وقبل صلاة الركعتين. والملتزم هو الحائط الكعبة بين الباب والحجر الأسود.
- الشرب من ماء زمزم و التضلع منه: ويندب ذلك بعد الفراغ من الطواف وركعتيه وقبل الخروج إلى الصفا والمروة.
الركن الثالث: السعي بين الصفا والمروة:
شروط صحة السعي:
- تقدم طواف صحيح: يشترط لصحة السعي أن يسبقه طواف صحيح، سواء كان نفلا أو فرضا، ففي الصحيح من حديث عمر بن عمر رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا، وصلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة" رواه البخاري.
- البدء بالصفا: ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الباب إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ: "إن الصفا والمروة من شعائر الله"، وقال أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقي عليه" رواه مسلم.
- تتابع الأشواط: يجب أن تتتابع الأشواط السبعة من غير فاصل طويل بينهما، لحديث جابر رضي الله عنه في صفة سعيه صلى الله عليه وسلم. والفصل اليسير لا يضر، كالجلوس قليلا للراحة وشرب الماء، أو الوقوف قليلا لكلام أحد أو للوضوء لمن انتقض وضوءه أثناء السعي.
- اتصال السعي بالطواف: فمن طاف واشتغل بأمر آخر غير السعي من غير ضرورة ثم سعى عليه أن يعيد الطواف والسعي، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم خروجه إلى المسعى عقب انتهائه من الطواف وركعتيه، ولم يفصل بين الطواف والسعي بشيء، وأمر الناس أن ياخذوا مناسكهم عنه.
- أن يكون السعي سبعة أشواط: فالذهاب من الصفا إلى المروة شوط، والرجوع من المروة إلى الصفا شوط آخر.
من ترك شوطا من الأشواط السبعة
أو جزءا من الشوط وجب عليه أن يأتي به إن
لم يكن الفصل طويلا، فإن طال الفصل تجب إعادة السعي كله، فلا تتم العمره إلا بإكمال
سبعة أشواط.
سنن السعي وآدابه:
- الصعود على الصفا وعلى المروة في كل الأشواط ، والوقوف للذكر والدعاء، ويكون الواقف مستقبلا الكعبة. ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد على الصفا حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: "لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله الا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده"، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدت مشى، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا" رواه مسلم.
- الإسراع بين العمودين الاخضرين: وذلك في الأشواط كلها ذهابا ورجوعا.
- ستر العورة: يندب ستر العور أثناء السعي، فمن سقط إزاره أثناء السعي وانكشفت عورته لا يفسد سعيه.
- الدعاء أثناء السعي والذكر بما تيسر من غير حد.
صفة العمرة
صفتها أن ينوي الإنسان العمرة عند مكان الإحرام بعد أن يفعل متطلبات الإحرام التي مر ذكرها، ويلبي حتى يصل البيت، فيطوف ناويا طواف العمرة، ثم يصلي ركعتي الطواف، ثم يخرج إلى الصفا والمروة فيسعى سبع أشواط، ثم يحلق رأسه أو يقصره ( والمرأة تقص من شعرها قيد أنملة)، ويلبس ثيابه وقد انتهت عمرته.