فوائد الصيام
تعريف الصوم
الصوم في اللغة هو الإمساك والكفّ. قال الله تعالى على لسان مريم: (۱)" فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا" سورة مريم الآية 26، أي : صمتا وإمساكًا عن الكلام.
والصيام في الشرع هو الإمساك عن الطعام والشراب وغيرها المفطرات من طلوع الفجرإلى غروب الشمس بنيّة العبادة (فريضة أونافلة).
و الصيام هو الركن الرابع من أركان الإسلام، فرض في السنة الثانية من الهجرة ودليل فرضيته قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" البقرة 183-184.
وفي الحديث: " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان". (رواه البخاري ومسلم) .
فوائد الصيام
الصيام عبادة عظيمة تحمل فوائد كثيرة، تشمل الفوائد الروحية، الصحية، النفسية، والاجتماعية، ومنها:
الفوائد الروحية:
- التقرب من الله تعالى:
فالصيام عبادة خالصة لله، تجلب الأجر والثواب.جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ، فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ، وَالَّذِي نفسي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطيب عِنْدَ الله تَعَالَى مِنْ رِيح الْمِسْكِ، يترك طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ و شهوته مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وأنا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا » رواه البخاري.
وجاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أنه قال : إِن فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرِّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّالِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ أَيْنَ الصَّالِمُونَ، فَيَقُومُونَ، لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، فَإِذَا دَخَلُوا أُخْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ".
- مغفرة الذنوب:
جاء في الصحيح : "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنبه".
وفي حديث سلمان رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: «يا أيها الناس، قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضةً، وقيام ليله تطوعًا، من تقرب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يُزاد في رزق المؤمن فيه، من فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره، من غير أن ينقص من أجره شيء... وهو شهر، أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار . ." رواه ابن خزيمة في صحيحه.
- تقوية التقوى:
في الصوم يتصل الإنسان بربه اتصال طاعة وانقياد ويعيش أرفع درجات الصفاء والإخلاص، فهو العبادة التي خُصَّت بأنها بين العبد وربه، لا يطلع عليها أحد سواه، ولا يدخلها الرياء إذا لم يرد الإنسان أن يخبر بها عن نفسه ولذلك خصّها الله دون سائر الأعمال الأخرى بقوله في الحديث القدسي: "الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي به". ولذلك أيضًا أخبر الله تعالى بأنها تثمر التقوى ومخافة الله فقال بعد أن أمر بالصيام وفرضه : ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾.
- التحكم في الشهوات:
من فوائد الصيام كذلك أنه يعلم الصبر والانضباط، مما يعزز الاستقامة. فالصيام مدرسة تربوية لتهذيب الأخلاق، وللسمو بالنفس عن شهواتها ورغباتها، والصيام رمز للإرادة الصارمة التي لا تخضع لضعف النفس البشرية وإلحاحها، إيثارًا لما عند الله. فهو جهاد وتمرن على الصبر، والتقيّد بالأوامر والنواهي، وضبط النفس، ولذلك وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم للشباب عند عدم القدرة على الزواج، وأخبر بأن له سلطانًا على الشهوة، فقال : "مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجُ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءُ" رواه البخاري. فقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم الصيام بالوجاء الذي يكسر الشهوة ويضعفها ويسيطر عليها ، حيث يجعل صاحبه مالكًا لنفسه، يوجهها حسب الشرع، لا حسب الشهوة.
الصيام في حقيقته قوة وانتصار على النفس وعلو، لتحقيق أنفس الغايات وأنبلها، وليس ضعفًا وخمولا واستكانة. وتاريخ المسلمين حافل بالشواهد على ذلك، فقد كانت معظم فتوحات المسلمين وانتصاراتهم في شهر رمضان. فمعركة بدر كانت الجمعة 17 رمضان عام 2هـ، وفتح مكة كان في 19 رمضان عام 8هـ، وفتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد كان في رمضان عام 92هـ، وموقعة الزلاقة على الحدود البرتغالية بين جيش المرابطين في الأندلس والفرنجة كانت فى رمضان عام 479 هـ، وموقعة عين جالوت في فلسطين التي انتصر فيها قطز سلطان المماليك على المغول كانت في رمضان عام 658هـ، إلى غير ذلك. (انظر البداية والنهاية 9/83 و دول الإسلام 2/9).
الفوائد الصحية:
الصوم له آثار نافعة على الصحة والبدن، فهو:
- يريح المعدة، وجهاز الهضم، فإنّ الكفّ عن الطعام لساعات طويلة من حين إلى آخر، يخلص المعدة مما يتكدس فيها من الشحوم والدهون، ويخلصها من ارتباك الهضم وآلام الحرقان، ويحميها من أمراض التخمة.
- يساعد في إنقاص الوزن وتحسين التمثيل الغذائي. فالسمنة في العصر الحديث صار سببا مؤكدًا لكثير من أمراض المستعصية، وأول ينصح به الأطباء المرضى هو تخفيض الوزن، والتخلص من الشحوم. و أثبتت الدراسات أن الصيام يحفز حرق الدهون بشكل كبير.
- يعزز وظائف الجهاز المناعي.
- ينظيم نسبة السكر في الدم ويقلل من خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني.
الفوائد النفسية:
- من فوائد الصيام أنه يقوي الإرادة والصبر: فالإنسان يعود نفسه على ضبط النفس والتكيف مع التحديات.
- ومن فوائده أيضا أنه يحد من التوتر والقلق ويساهم في تحقيق السكينة والراحة النفسية.
- كما أن الصيام يحسن المزاج بحيث يزيد من إنتاج هرمونات السعادة مثل السيروتونين.
الفوائد الاجتماعية:
- من فوائد الصيام أنه يعزز التكافل والتضامن حيث يشعر الغني بمعاناة الفقير، مما يعزز الرحمة والمساعدة.
- يقوي الروابط الأسرية حيث يجتمع أفراد الأسرة على مائدة الإفطار والسحور، مما يعزز العلاقات.
- يحيي روح الجماعة من خلال صلاة التراويح والقيام، ويقوي صلة الرحم.
خاتمة: الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل مدرسة تربوية متكاملة تساهم في بناء شخصية متوازنة ومجتمع مترابط. فلنجعل من صيامنا تجربة روحية وصحية تعود علينا بالنفع في الدنيا والآخرة.