دور الأسرة في تحقيق السعادة
السعادة بلغة القرآن هي الحياة الطيبة
ولتحقيق هذه الحياة الطيبة لابد من توفر شرطين أساسيين أشارت أليهما الآية الكريمة: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ:" سورة النحل الآية 97
هذان الشرطان هما:
1- الايمان الصادق والعقيدة الصحيحة
2- العمل الصالح.
والأسرة كفيلة بضمان تحقيق هذين الشرطين، كي يعيش أفرادها حياة طيبة مطمئنة.
إذا فما هي الأساليب والطرق التي يجب اتباعها للحصول على السعادة داخل الأسرة المسلمة، وتثبيتها مدى الحياة.
قبل الجواب على هذا السؤال لابد أن نعرف السعادة الأسرية:
أولا: تعريف السعادة الأسرية
السعادة الأسرية هي شعور الإنسان بالرضا والفرح والطمأنينة والإرتياح داخل أسرته.
وكي يتحقق ذلك يجب أن توفر الأسرة شرطي الحياة الطيبة، اللذان سطرتهما الآية الكريمة: شرط الإيمان وشرط العمل الصالح. فكيف السبيل لتحقيق ذلك؟
ثانيا: قاعدة لابد من توفرها لبناء الأسرة السعيدة:
- على قدر تمسك الأسرة بديننا الحنيف تكون السعادة. قال الإمام سفيان الثوري: "أصلح سريرتك يصلح الله علانيتك، وأصلح فيما بينك وبين الله يصلح الله فيما بينك وبين الناس، واعمل لآخرتك يكفك الله أمر دنياك، وبع دنياك بآخرتك تربحهما جميعًا، ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعًا".
لابد أن يكون الأبوان ذوي دين وخلق وأن تعتمد تربية الأبناء على الإيمان وعلى العمل الصالح، فالأسرة هي أول مؤسسة تربوية مؤثرة في حياة الطفل. ولهذا كان الدين والخلق هو أساس اختيار الزوجين. قال الحق تعالى: "وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ" سورة البقرة 221، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". وقال أيضا "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" رواه البخاري ومسلم.
ثالثا: سبل تحقيق الشرط الأول (الإيمان) لتحقيق السعادة داخل الأسرة
- فالسبيل الأول هو غرس الإيمان أي العقيدة الصحيحة في نفوس الأبناء منذ خروجهم الى الحياة، وكان هذا دأب الأنبياء عليهم السلام والصالحين. يقول الله عز وجل: "وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" (البقرة 132). ويقول الله عز وجل: "وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" (لقمان 13). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال : يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف"رواه الترمذي، وقال : حديث حسن صحيح. وكان تلقين الأذان في أذن الطفل أول عمل يقوم به الوالدان في حياة مولودهما، وهذا يعني أن أول ما يلقن الطفل في مجال التربية هوالتوحيد.
- السبيل الثاني أن نبين لأبنائنا قدره الله عز وجل على الخلق والتدبير، ونعلمهم ونشرح لهم صفات الله عز وجل الرحيم الكريم الشافي النافع الضار السميع العليم، حتى يبدأ الطفل يربط كل شيء بوجود الله عز وجل.
- السبيل الثالث أن نعلم أبنائنا الخوف من الله عز وجل وليس منا نحن، ونعلمهم مراقبة الله عز وجل، وأن الله خبير بكل شيء، فالانسان يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.
رابعا: سبل تحقيق الشرط الثاني لتحقيق السعادة داخل الأسرة: العمل الصالح.
يتجلى العمل الصالح في الإحسان إلى الله عز وجل أولا، ثم إلى النفس، ثم الى الغير.
- فالإحسان إلى الله تعالى يكون بالعبادة، وأداء الفرائض، وتلاوة القران. كان بعض السلف يقول: "اشتغلنا بالقرآن فغمرتنا البركات والخيرات والسعادة في الدنيا". فيجب على الآباء الاجتهاد في الإتيان بالعبادات على أكمل وجه، والإجتهاد في تعليمها للأبناء منذ نعومة أظافرهم.
- والإحسان إلى النفس يكون بالاهتمام بالصحة والمظهر، فالأبناء يحتاجون إلى أم صحيحة جميلة، والزوج كذلك يحتاج إلى زوجة في كامل صحتها وجمالها، وكذلك الأم تفرح إذا رأت أولادها في أبهى صورة، فلابد أن يربي الوالدان أبناءهما على الاعتناء بالصحة وبالمظهر والنظافة الشخصية. ويكون الإحسان إلى النفس كذلك بالابتعاد عن المهلكات كالإدمان والمخدرات والزنا. كل هذا يدخل في الاحسان الى النفس.
- والإحسان إلى الغير -وأولهم الأهل- لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" رواه الترمذي.
- تعليهم بر الوالدين، وذلك بالقدوة وبالتربية والتوجيه.
- إبراز المحبة بالقول والعمل، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: "إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه" أخرجه أبو داود.
- التغافل عن الأخطاء، يقول الإمام أحمد بن حنبل: "تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل".
- الثناء المستمر، فهو سبب في الزيادة في الإنتاج، لأن النفس تحب المدح.
- الجلسات العائلية التي تقوي المحبة وتصلح ذات البين، وتكون مجالا للإطلاع على هموم أفراد الأسرة والمساعدة في حلها وتجاوزها.
- عدم الإكثار من الطلبات، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان في مهنة أهله، كان يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته.
- الإعراض عن كل ما يزعج أفراد العائلة.
- التنازل عن بعض الرغبات من أجل العائلة.
- الإبتسامة والبشاشة.
ختاما نقول أن السعادة الحقيقية داخل الأسرة لا تتحقق بالمال ولا بالمظاهر المادية الزائلة، وإنما تُبنى على أساسين راسخين حددهما القرآن الكريم: الإيمان الصادق و العمل الصالح. فالأسرة المسلمة، بقدر تمسكها بدين الله وحرصها على تربية أبنائها على العقيدة الصحيحة والخلق القويم، وبقدر عنايتها بتجسيد معاني الإحسان في حياتها اليومية، تكون أكثر استقرارًا وطمأنينة، وأقرب إلى تحقيق الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده المؤمنين.
ومن ثم فإن مسؤولية الآباء والأمهات عظيمة، إذ هم القدوة الأولى لأبنائهم، وعليهم يقع عبء ترسيخ القيم الإيمانية وتوجيه السلوك نحو الصلاح والخير. فإذا نجحت الأسرة في أداء هذا الدور، انعكس أثره على المجتمع كله، لأن صلاح المجتمع ثمرة لصلاح الأسرة. وهكذا تظل الأسرة المسلمة الحصن المنيع والركيزة الأساسية لبناء أجيال صالحة تنعم بالسعادة في الدنيا، وتنال رضا الله تعالى في الآخرة.